حياتنا

تتذكر تجارب سيئة ومرعبة وتريد نسيانها.. علماء قاموا بدراسة لتخليص دماغك من الذكريات المخيفة

المصدر هاف بوست عربي

كلنا نمر بتجارب سيئة تترك فينا أثراً وذكرى، كأنها لطخات تلوث عقلنا وفكرنا وتعكّر علينا صفو حياتنا. لكن هل تظن أن من الممكن لأحد منا أن يعيش صافي الذهن نظيف الذاكرة لا تعكر صفو سمائه غيمة سوداء؟ نعم، لقد اقتربنا بالفعل خطوة واحدة من تحقيق هذا الهدف، وهو ما يقوله علماء يعكفون على دراسة وسائل محو ذكريات الخوف من الذاكرة، حسبما رصدت صحيفة الغارديان البريطانية.

وفق الغارديان أجريت تجربة أخيرة على الفئران، حيث كشفت سر إثارة أصوات معينة فينا لذكريات أليمة، وكشفت أيضاً أسلوباً جديداً لمسح ومحو تلك الذكريات من الدماغ.

يقول العلماء أنه بالإمكان استخدام استنتاجاتهم إما لإضعاف أو لتقوية وتعزيز ذكريات معينة مع عدم المساس أو العبث بأخرى، وحسب قولهم فإن ذلك من شأنه ربما مساعدة المصابين بالتدهور المعرفي أو اضطراب قلق ما بعد الصدمة، وذلك عبر إزالة الذكريات المخيفة من أذهانهم مع الحفاظ على تلك النافعة منها، كصوت نباح الكلب مثلاً.

وفي وقت سابق قالت دراسة نشرت بالدورية العلمية Nature Neuroscience إن العلماء تمكنوا من اكتشاف الطريقة التي تساعد البشر على نسيان مخاوفهم، من خلال إغلاق أحد المسارات الدماغية المسؤول عن الذكريات المخيفة.

التجربة التي أجريت على الفئران ما زالت قيد الاختبار بخصوص البشر، لكن العلماء تمكنوا من تخليص فئران التجارب من المخاوف الناتجة عن الصدمات.

وعلى الرغم من أن البحث لا يزال حديثاً، فربما يحملنا بين دفتيه نحو اكتشاف طريقة تساعد البشر على التخلص من القلق واضطراب ما بعد الصدمات.

وقد اكتشف العلماء مساراً دماغياً جديداً يعمل على خلق الذكريات المخيفة، وقاموا بتدرّيب مجموعة من فئران التجارب على أن يخافوا من نغمة عالية محددة من خلال تعريضهم لصدمة في كل مرة يستمعون لتلك النغمة، وذلك حسبما ذكرت إحدى الدراسات المنشورة بالدورية العلمية Nature Neuroscience.

انتظر العلماء حتى صارت الفئران تتجمد من الخوف في كل مرة تستمع إلى تلك النغمة، حتى وإن لم تتعرض للصدمة، وانتقلوا لمرحلة متمثلة في فحص أدمغة الفئران.

ماذا عن الدراسة الجديدة؟
يقول جون-هيونغ تشو، المساهم في كتابة الدراسة من جامعة كاليفورنيا بريفرسايد وفقاً للغارديان“بإمكاننا استخدام هذا الأسلوب بغية التحكم الانتقائي بذاكرة الخوف المرضي فقط، فيما يتم الحفاظ على كافة ذكريات الخوف التأقلمي والتي هي ضرورية لحياتنا اليومية.

وكان العلماء قد أجروا الدراسات السابقة لاستكشاف طرق تتنوع من فحص صورة للدماغ واستخدام الذكاء الاصطناعي وحتى استخدام المخدرات والعقاقير.

الدراسة التي أجراها تشو وزميه وونغ بن كيم نشرت في مجلة Neuron الدورية، وقد كشفت الدراسة كيف أن الفريق استخدم فئراناً معدلة وراثياً لتفحص المسارات والقنوات الواصلة بين المنطقة الدماغية المختصة بمعالجة صوت معين، وبين المنطقة المختصة بالذكريات العاطفية والتي تسمى اللوزة الدماغية Amygdala.

يقول تشو “إن هذه الفئران مميزة لأننا قادرون عبرها على تعيين وتحديد وتعقب مسارات معينة توصل إشارات محددة إلى اللوزة الدماغية، وبذلك يتسنى لنا تحديد أي المسارات يطرأ عليها التغيير عندما تتعلم الفئران أن تخشى صوتاً معيناً. الأمر أشبه بكرة متشابكة من خطوط الهاتف، فكل خط يوصل معلومات سمعية معينة إلى اللوزة الدماغية.”

في الجزء الأول من التجربة وفق الصحيفة أسمع العلماءُ الفئرانَ صوتين أحدهما مرتفع الطبقة والآخر خفيضها، ولكن عند إسماعها الصوت المرتفع قام العلماء ببث صدمة كهربائية خفيفة في أقدام الفئران.

وهكذا عندما حان الدور من جديد لسماع الصوت مرتفع الطبقة وحدها تجمدت الفئران في مكانها خوفاً، فيما لم ترصد استجابة مماثلة لدى سماع الصوت الآخر ذي الطبقة الخفيضة.

بعدئذ أراد العلماء استكشاف الفروقات بين مساري الصوت المرتفع والصوت الخفيض في دماغ الفئران، فاكتشفوا أنه في الفئران التي تعرضت لصعقة كهربائية بالتزامن مع الصوت العالي، أصبحت الروابط أقوى وأمتن ضمن مسار “الطبقة العالية” فيما لم يطرأ أي تغيير على المسارات الأخرى.

لكن الفريق وجد أن الفئران إن تعرضت بعد ذلك مراراً لأصوات الطبقة المرتفعة إياها لكن من دون التعرض لصعقات كهربائية فإنها تفقد خوفها، في عملية تسمى “انقراض الخوف”.

انقراض الخوف هو الأساس النفسي للعلاج
يقول تشو “إن انقراض الخوف هو الأساس النفسي للعلاج التعريضي Exposure Therapy المستخدم في معالجة اضطراب قلق ما بعد الصدمة” لكن تشو أضاف أنه “بعد العلاج التعريضي بأسبوعين مثلاً، يعود الخوف للانتكاس من جديد أو يتكرر بصورة عفوية.”

ويضيف أيضاً وفق الغارديان أن الدراسة الجديدة تقدم لنا تفسيراً لذلك، فحتى بعد انقراض الخوف، وجد الفريق أن المسار العصبي للطبقة مرتفعة الصوت ظل قوياً لدى الفئران.

يعلق تشو على ذلك “إن انقراض الخوف ليس ممحاة لذاكرة الخوف، بل هو يخفي ذاكرة الخوف لفترة مؤقتة عابرة.”

لكن الفريق اكتشف أن استخدام تكنيك يسمى optogenetics (علم البصريات الوراثي) يساعد على محو الذكريات السيئة فعلاً.

ولدراسة هذا التكنيك انشغل العلماء باستخدام فيروس بغية استجلاب جينات معينة إلى خلايا عصبية محددة في أدمغة الفئران التي خضعت لتقوية مسارات “طبقة الصوت المرتفعة”.

بمجرد دخولها الخلايا العصبية بدأت تلك الجينات بإنتاج بروتينات تستجيب للضوء، ما مكن العلماء من التحكم بنشاط الخلايا العصبية.

بهذا، أخذ العلماء تلك الفئران المصابة بالذكريات المخيفة، ثم عرضوا خلاياها العصبية العائدة إلى مسارات “الطبقة المرتفعة” إلى ضوء ضعيف التردد في أسلوبٍ يضعف الروابط بين الخلايا العصبية.
النتيجة كانت أن الفئران ما عاد يبدو عليها الخوف عندما تتعرض لسماع صوت الطبقة المرتفعة مرة ثانية.

يقول تشو “إن هذا يمحو ذاكرة الخوف بصفة دائمة، فما عدنا نشهد انتكاسات الخوف”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى