حياتنا

رحيل أبو بكر سالم الأب الروحي لمطربي الخليج التواشيح والقصائد الدينيه كانت بوابته للنجوميه

يوم الأحد الماضى توقف قطار المطرب والملحن الخليجى الكبير أبوبكر سالم « 17 مارس 1939 / 10 ديسمبر2017 »، عن الغناء والشدو العذب، بعد صراع طويل مع المرض، وبعد أن ترك للمكتبة الغنائية ميراثا من الفن يمجد فيه قلب الإنسان ويستقى منه عطر التفانى والحب والإخلاص، ولد أبوبكر فى مدينة « تريم» بحضرموت جنوب اليمن، ونشأ فى بيئة تحب العلم وتهتم به، وتتخذ من العلماء والمشايخ مثلا أعلى لها، وبعد شهور قليلة من مولده رحل والده، فقامت والدته بتربيته مع جده الشيخ «زين بن حسن »، الذى أهتم بتعليمه.
……………………
وفى المدرسة أبلى بلاءا حسنا فى علوم الفقه والدين واللغة العربية والشعر، وظهرت مواهبه الفنية منذ طفولته حيث كان يتمتع بصوت جميل وقوى، وحفظ القرأن وهو ابن 13 سنة، وذاع صيته فى « تريم « حيث كان ينشد التواشيح والأناشيد الدينية فى مدح الرسول، وأحب العلم والثقافة فكان قارئانها نهم لكل ما تقع عليه يداه، وكان لهذه النشأة الثقافية والدينية فضل كبير على طريقة غنائه فيما بعد، ــ حيث بدأ مشواره الفنى بتلحين قصائد كثيرة للشاعر التونسى الكبير أبو القاسم الشابى ، وأثناء ذلك ورغم كل العادات والتقاليد التى تناهضه الغناء فى الخليج، كانت والدته سنده والحضن الدافئ الذى يرتمى فيه من أحزان وتقلبات وغدر الأيام والسنين، فلم تقف فى طريقه أو تتصدى لمحاولاته الفنية، بل كانت تزهو به وتسانده كلما أمتع الأسماع بالأناشيد الصوفية.
الطريق إلى عدن
وفى سن السابعة عشرة انتقل للإقامة فى عدن حيث الحياة أكثر انفتاحا من «تريم»، والحركة الفنية والثقافية فيها مزدهرة، و درس فى معهد التربية، وبعد الانتهاء منه عمل مدرسا لمادة اللغة العربية لمدة ثلاث سنوات، وأثناء ذلك نصحه البعض بالتقدم للإذاعة فاستغل الأبواب المفتوحة لإذاعة عدن التى كانت تتيح الفرصة للفنانين الشباب وكتب ولحن وغنى أول أغنية له بعنوان « يا ورد ما احلى جمالك بين الورود » التى نالت إعجاب الجمهور خاصة بعد إذاعتها بصفة منتظمة، وسعد بهذا النجاح الكبير، الأمر الذى دفعه لكتابة أغنية جديدة اسمها «لما ألاقى الحبيب». وعاد للإذاعة فوفرت له الإمكانات أكثر من ذى قبل، بعدها بدأ يسرى صوت الفنان الشاب عبر الأثير، وكانت الأغنية الثالثة التى رسمته فنانا بين أقرانه من فنانى ذلك العصر المبكر هى « من نظرتك يا زين ذقت الهوى مرة »، وكان ذلك إيذانا بميلاد صوت جديد مختلف عن كل الأصوات الخليجية وقتها أبرزهم « محمد جمعه خان، عوض المسلمى، على باشراحيل، أحمد الجراش، محمد بن شامخ، محمد سعد عبدالله »، وأبن بلدته المطرب الكبير محمد مرشد ناجى، الذى آمن بموهبة الصوت الجديد وقدمه فى أحد الأعراس، حيث حقق نجاحا كبيرا، بعدها كتب ولحن أبو بكر لنفسه عدة أغنيات جديدة هى « خاف ربك، يا حبيبى ياخفيف الروح، وسهران ليلى طويل»، ونصحه بعض المقربين منه بتعلم العزف على آلة العود خاصة أنه يجيد الموروث والموشحات ويحفظ القصائد الفصحى ويكتب الشعر ويلحنه، وبالفعل تعلم العزف.
لبنان نقطة تحول
وفى نهاية الخمسينيات ومع بداية الستينيات ترك مطربنا الراحل عدن، وآثر أن يسافر بفنه إلى وجهة أكثر صخبا من عدن ومن شأنها أن تصل بالأغنية اليمنية إلى أفق أوسع مما هى عليه، فسافر إلى بيروت، وكانت هذه نقطة التحول فى حياته التى أشعلت بداخله جذوة الحنين الأبدى إلى مسقط رأسه وفجرت داخله مكامن الإبداع، وصقلت شخصيته كفنان، وفى تلك المرحلة أطلق روائعه الغنائية مثل: «24 ساعة» و«متى أنا أشوفك»، وظل يتردد بين بيروت وعدن مرورا بجدة، وفى هذه الفترة كون صداقات كثيرة مع العديد من مطربى العالم العربى، إلى أن قرر أن يضع حدا للرحيل والترحال.
و يبدأ مرحلة فنية جديدة فإستقر فى منتصف السبعينيات فى الرياض، وحصل على الجنسية السعودية، وقدم عددا من الأغانى الوطنية من أشهرها «يا بلادى واصلى»، «يا مسافر على الطايف»، وفى هذه الفترة قدم العديد من الأغنيات المحفورة فى وجدان الجمهور العربى منها « باشل حبك معى، سر حبى فيك غامض، كما الريشة، خذ من الهاشمى، يا زارعين العنب، شلون حال الربع، شلنا يابو جناحين، فى السما غيم، لا أنت شمس، رغم الجفا، أحب الفراق، إلى طيبة، تصافينا،عنب فى غصونه، الكوكب السارى، يا سهران سلام، يا ويح نفسى، فهمك لمعنى الحب، وصولا إلى أحتفل بالجرح، ويا ريحة أهلى وغيرها الكثير والكثير.
وتوالت النجاحات والألحان فلحن لكثير من المطربين أبرزهم المطربة وردة «سيبوه»، نجاح سلام «من نظرتك يازين»، عبدالله الرويشد « يا ناسيين الحبايب، وقلبك تحول»، أنغام «مفاتيح قلبى، عبدالمجيد عبدالله»، «فكوا الغلق»، راشد الماجد « يا سبحان» وغيرهم الكثير.
فى مشواره حصل الراحل على العديد من الجوائز والتكريمات، أهمها حصوله على الاسطوانة الذهبية من اليونان عام 1964 لبيع 4 مليون نسخة، وحصوله أيضا على جائزة ثانى أقوى صوت بالعالم فى أغنية «اقول ايه» عام 1978، وغنى عام 1983 فى قاعة البرت هول بلندن، وأخذ جائزة فنان القرن العربى من جامعة الدول العربية عام 2002، وتم تكريمه عام 2003 من جامعة حضرموت، حيث حصل على شهادة دكتوراه فخرية، وتم إصدار طابع بريدى له، وأطلقوا اسمه على شارع فى اليمن، كما كرم فى مهرجان ليالى فبراير بالكويت عام 2009، وقبل وفاته بأسابيع قليلة تم تكريمه فى اليوم الوطنى للسعودية.
وعن إبداعه ومشواره الفنى أكد الموسيقار الكبير حلمى بكر أن رحيل أبوبكر سالم خسارة فنية كبيرة للعالم العربى عامة، ولدول الخليج خاصة، فهو أحد أهرامات الفن الخليجى، ورائد من رواد الأغنية الخليجية الأوائل مع عمر كدرس، وشادى الخليج، وما يميزه عن غيره إنه كان صاحب لون متفرد فى طريقة الغناء، كما أن له أسلوبا خاصا جدا فى التلحين، وقد حاول البعض تقليده لكنه فشل، وقد ترك بصمة قوية على كل ما قدمه سواء لنفسه، أو لغيره من زملائه المطربيين، وفى تجربته الغنائية الخاصة به خدم الملحن المطرب، وخدم المطرب الملحن، لهذا تفوق على نفسه.
أما المطربة لطيفة فقد صرحت أن أبوبكر سالم ليس مدرسة فنية فقط فى الغناء والتلحين، ولكنه اكاديمية متكاملة الأرجاء قائمة بذاتها، وحضارة الجزيرة العربية تساوى قيمة أبوبكر الفنية، وعندما يذكر الفن فى الجزيرة العربية، لابد أن يذكر الراحل، والعكس صحيح، فهو كان عنوانا للفن الخليجى عامة، واليمنى خاصة، فهو هرم فنى كبير لن يتكرر إلا بعد عمر طويل، وبحر من المشاعر الفياضة فى الغناء والتلحين، وقد أمضى 60 عاماً من عمره مخلصاً لفنه وأستاذاً لأجيال حاولت السير على خطاه واقتفاء أثره، ولا يمكن أن أنسى له تشجيعه لى فى بداياتى الفنية عندما تعرفت عليه لأول مرة عند صديقنا المشترك الموسيقار الراحل عمار الشريعى، ومن يومها وهو يحبنى ويحتفى بى وآخرها كان من فترة عندما تقابلنا فى أحد المهرجانات الغنائية وقابلنى بحفاوة شديدة.
أما المطربة أصالة فقالت على صفحتها الشخصية: كان كريما وطيبا ورحوما وتتلمذا على يديا، رحمك الله يا عمنا واسكنك الكريم الرحمن الرحيم فسيح جناته.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى